2011, ഡിസംബർ 5, തിങ്കളാഴ്‌ച

يوم الحساب


يوم الحساب

مصطفى لطفي المنفلوطي

تاريخ النشر: 09/01/2011 اقرأ للكاتب

اقتراح: عصام المجريسي

ساهرْتُ الكوكب ليلةَ أمْسِ، حتى مَلّني وملِلْتُه, وضاق كلٌّ منا بصاحبه ذَرْعاً، وقد وقف الهمّ بيني وبين الكَرى، أجذبه فيدفعه، وأدنيه فيبعده، حتى أسلس قياده، وسكن جماحه. لم تخالط جفني سنة الكرى، حتى خُيّل إلي أني قد انتقلت من العالم الأول إلى العالم الثاني، ورأيت كأني بُعثتُ بعد الموت، وكأن أبناء آدم مجتمعون في صعيد واحد، يحاسبون على أعمالهم, فأُلهمتُ أنه موقفُ الحشر، وأنه يوم الحساب.
أنشأتُ أمشي مِشية الحائر الذاهل، لا أعرف لي مذهباً ولا مضطرباً، ولا أجد من يأخذ بيدي ويدلني على نفسي في هذا الموقف، الذي ينشد فيه كلُّ ذي نفس نفسَه، فلا يجد إليها سبيلا، فطفقتُ أتصفّح وُجوه الواقفين، وأقلب النظر في الغادين والرائحين، علني أجد صديقاً أستأنس به في وحدتي، وأستعين بمرافقته على وحشتي، فلا أرى إلا خلقاً غريباً، ومنظراً عجيباً، ووُجوهاً ما رأيت لها في حياتي شبيهاً ولا ضريباً، ولولا أني أعلم أن الحساب خاص بالإنسان، لظننت أن الله يحاسب في هذا الموقف جميع أنواع الحيوان!.
هنالك، وقد بلغ اليأس والهمُّ مبلغهما من نفسي!، رأيتُ على البعد وجهاً يبتسم لي ويدنو مني رويداً رويداً, فأرقلت ( أسرعت ) نحوه، حتى بلغته فإذا صديقي "فلان"، وإذا وجهه يتلألأ تلألؤ الكوكب في علياء السماء، فسألته: ما فعل الله به؟ فقال: "حاسبَني حساباً يسيراً!، ثم غفر لي!، وهأنذا ذاهب إلى ما أعد الله لعباده الصالحين في جنته من النعيم المقيم"!
فعجبت لشأنه!! وقلت في نفسي: "لقد هان أمر الحساب على كل عاص، بعد ما هان على هذا الذي كنت أعرفه في أولاه لا يتقي مأثما، ولا يهاب منكرا، ولا يخرج من حان إلا إلى حان، ولا يودع مجمعاً من مجامع الفسق إلا على موعد من اللقاء"!!
فنظر إليّ نظرةَ العاتب اللائم! وابتسم ابتسامةً! علمتُ منها أنّ الرجل قد ألمّ بما أضمرتُه في نفسي؛ فذكرتُ أن قد كُشف الغطاء في هذه الدار, وأن قد رُفع الحجاب بين الناس؛ فلا سرَّ ولا جهرَ، ولا بطن ولا ظهر، ولا فرق بين حركات اللسان، وخطرات الجنان !!
نظر إليّ تلك النظرة، وقال: "لا تعجب لأمر في هذه الدار؛ فكل ما فيها عجيب! واعلم أن الله حاسبني على كل ما كنت أجترح من الإثم في الدار الأولى، إلا أنه وجد لي في جريدة حسناتي حسنةً، ذهبت بجميع السيئات، ذلك أنه كان لي جار من ذوي النعمة والثراء والصلاح والخير والمروءة والبر، نكبه دهره نكبة ذهبت بماله، فأهمني أمره، وأزعجني أن أراه في مستقبل الأيام بائساً مُعدماً، يريق ماء وجهه على أعتاب الذين كان يُسدي إليهم نعمته، وعلمت أني إن عرضت عليه شيئاً من مالي أخجلته، وصغُرت نفسُه في عينه، فاحتلتُ على أن أُدخل في بيته خادماً كانت في بيتي، وجعلت لها جُعْلا على أن تدُسَّ في كيس دراهمه كلَّ ليلة خمسةَ دنانيرَ، من حيث لا يشعر بمأتاها، ولا يقف على سرِّها، وما زال هذا شأني وشأنُه، لا يعلم من أين يأتيه رزقه، ولا يشعُر أحدٌ من الناس باستحالة حاله، وذهاب ماله، حتى فرق الموتُ بيني وبينه. فما نفعني عمل من أعمالي ما نفعني هذا العمل، وما كان الإحسان وحدَه سببَ سعادتي، بل كان سببها أنه أصاب الموضع وخلص من شائبة الرياء.
فهنأته بنعمة الله عليه، وشكوتُ إليه وحشتي من الوحدة وخوفي من المحاسبة !
فقال: أما الوحشة فإني لن أفارقك حتى يأتي دورك، وأما الخوف فلا حيلة لي ولا لأحد من الناس في نقض ما أبرم الله في شأنك.
فقلت: أنت من السعداء! فهل تستطيع أن تشفع لي أو تطلب لي شفاعة من ولي من الأولياء، أو نبي من الأنبياء؟
قال: لا تطلب المحال، ولا تصدّق كل ما يقال! فقد كنا مخدوعين في الدار الأولى بتلك الآمال الكاذبة التي كان يبيعها منا تجار الدين بثمن غال, ولا يتقون الله في غشنا وخداعنا، وما الشفاعة إلا مظهر من مظاهر الإكرام والتبجيل، يختصّ به الله بعض عباده المقرّبين، فلا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، ولا يأذن بالشفاعة لأحد إلا إذا كان بين أعمال المشفوع له, أو في أعماق سريرته ما يقتضي إيثاره بالمغفرة على غيره من العصاة والمذنبين، والله سبحانه وتعالى أجل من العبث وأرفع من المحاباة.
وما وصل من حديثه إلى هذا الحد، حتى رأينا كوكبة من ملائكة العذاب تحيط برجل يساق إلى النار, ورأينا في يد كلّ واحد منهم مِقْرعة من الحديد، يقرع بها رأسه وهو يصرخ ويقول: "أهلكتني يا أبا حنيفة"!
فسألت صاحبي ما ذنب الرجل ؟ فقال: إنه كان في حياته يتخذ في أعماله ما يسمونه "الحيل الشرعية"، فكان يهب ماله لأحد أولاده على نية استرداده، قبل أن يحول عليه الحول، ليتخلص من فريضة الزكاة، ويطلق زوجته ثلاثاً، ثم يأتي بمحلل يحللها له، فيعود إلى معاشرتها، وكان يرابي باسم الرهن فإذا جاءه من يريد أن يقترض منه مالاً أبى أن يقرضه إلا إذا وضع في يده رهناً، فإذا وضع يده على ضيعته ألزمه أن يستأجرها منه بمال كثير، يراعي فيه النسبة التي يراعيها المرابون بين الربح وأصل المال، وكان إذا حلف لا يدخل بيتاً دخله من نافذته، أو لا يأكل رغيفاً أكله إلا لقمة منه، فذنبه أنه كان يعمد إلى الأحكام الشرعية، فينتزع منها حكمها وأسرارها، ثم يرفعها إلى الله قشوراً جوفاء ليخدعه بها ويغشه فيها، كما يفعل مع الأطفال والبُلْه مستنداً على تقليد أبي حنيفة أو غيره من كبار الأئمة, وأبو حنيفة أرفع قدراً وأهدى بصيرةً من أن يتخذ الله هزؤاً أو سخرية وأن يكون ممن يهدمون الدين باسم الدين.
وما انقطع عنا صوت هذا الشقي حتى رأينا شقياً آخر ذا لحية طويلة كثة قد أحاط به ملكان، وشدّا عنقه بسبحة طويلة ذات حبات كبيرة, وقد أخذ كل منهما بطرف منها، وهو يهمهم بكلمات مبهمة، فيقرعه أحدهما على رأسه ويقول له: "أمكر وأنت في الحديد" فدنوت منه، وأنعمت النظر في وجهه فعرفته, فتراجعتُ ذُعراً وخوفاً، وقلت: أيكون هذا من أشقياء الآخرة وقد كان بالأمس من أقطاب الأولى، فقال لي صاحبي: إن هذا الذي كنت تحسبه في أولاه من الأقطاب كان أكبر تاجر من تجار الدين، وما هذه اللحية والسبحة والهمهمة والدمدمة إلا حبائل كان ينصبها لاصطياد عقول الناس وأموالهم، ولكن الناس لا يعلمون.
وما زال المنصرفون من موقف القضاء يمرون بنا، هذا إلى جنته، وذاك إلى ناره، وأنا أسأل عن شأن كل منهم واحداً فواحداً، فأرى سعيداً من كنت أحسبه شقياً، وشقياً من كنت أحسبه سعيداً، فسجلت أن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قلوبهم، لا على جوارحهم، ويسألهم عن نياتهم، لا عن أفعالهم، وأن لا سعادة إلا الصدق، ولا شقاء إلا الكذب، وعلمت أن الله لا يغفر من السيئات إلا ما كان هفوة من الهفوات، يلم بها صاحبها إلماماً ثم يندم عليها، ورأيت أن أكبر ما يعاقب الله عليه جنايةُ المرء على أخيه بسفك دمه أو هتك عرضه أو سلب ماله، وأن أضعف الوسائل إلى الله ذلك الركوع والسجود، والقيام والقعود، فلو أن امرأً قضى حياته بين ليل قائم، ونهار صائم، ثم ظلم طفلاً صغيراً في لُقمة يختطفها من يده لاستحالت حسناته إلى سيئات، وما أغني عنه نسكه من الله شيئاً!!
وبينا أنا أحدث نفسي بهذا الحديث، وأقلب النظر في وجوه تلك المواعظ والعبر، إذا قال لي صاحبي: أتعرف هذَيْن، وأشار إلى رجلين واقفين ناحيةً يتناجيان، أحدهما شيخ جليل أبيضُ اللحية، وثانيهما كهل نحيف قد اختلط مبيضه بمسوده، فما هي إلا النظرة الأولى حتى عرفت الرجلين العظيمين، رجل الإسلام "محمد عبده"، ورجل المرأة "قاسم أمين" !
فقلت لصاحبي: هل لك في أن ندنو منهما ونسترق نجواهما من حيث لا يشعران؟ ففعلنا فسمعنا الأول يقول للثاني: ليتك يا قاسم أخذت برأيي وأحللت نصحي لك محلاًّ من نفسك، فقد كنتُ أنهاك أن تفاجئ المرأة المصرية برأيك في الحجاب قبل أن تأخذ له عُدّته من الأدب والدين، فجنى كتابُك عليها ما جناه من هتك حرمتها وفسادها وتبذلها وإراقة تلك البقية الصالحة التي كانت في وجهها من ماء الحياء! فقال له صاحبه: إني أشرت عليها أن تتعلم قبل أن تسفر وأن لا ترفع بُرْقعها قبل أن تنسِج لها برقعاً من الأدب والحياء!! قال له: ولكن قد فاتك ما كنت تنبأت لك به من أنها جاهلة لا تفهم هذا التفصيل, وضعيفة لا تعبأ بهذا الاستثناء، فكنت كمن يعطي الجاهل سيفاً ليقتل به غيره، فيقتلُ نفسه، فقال له: أتأذن لي يا مولاي أن أقول لك: إنك قد وقعتَ في مثل ما وقعتُ فيه من الخطأ, وأنك نصحتني بما لم تنتصح به، أنا أردتُّ أن أنصح المرأة فأفسدتُها كما تقول, وأنت أردتَّ أن تحييَ الإسلام فقتلتَه، إنك فاجأتَ جهلةَ المسلمين بما لا يفهمون من الآراء الدينية الصحيحة والأغراض الشريفة، فأرادوا غيرَ ما أردت، وفهموا غير ما فهمت، فأصبحوا ملحدين، بعد أن كانوا مخرفين، وأنت تعلم أن ديناً خرافياً خير من لا دين!! أوّلت لهم بعض آيات الكتاب فاتخذوا التأويل قاعدة، حتى أولوا الملَك والشيطان والجنة والنار، وبيّنت لهم حِكَم العبادات وأسرارها، وسفّهت لهم رأيهم في الأخذ بقُشورها دون لُبابها، فتركوها جُملة واحدة، وقلتَ لهم: إن الولي إلهٌ باطل، والله إله حقٌّ، فأنكروا الألوهية حقّها وباطلها. فتهلل وجه الشيخ، وقال له: ما زلت يا قاسم في أخراك مثلَك في دنياك، لا تضطرب في حجة، ولا تنام عن ثأر، يا قاسم لا تحمل همّاً، ولا تخشَ شرّاً، وثِقْ أن الله سيحاسبنا على نياتنا وسرائرنا، ويعفو عن هفواتنا وسقطاتنا، إنا ما أردنا إلا الخير لأمتنا، وما قدرنا لها في مستقبلها إلا ما تحتمله عقولنا، فإن كذبت فراستنا أو أخطأ تقديرنا فذلك؛ لأن المستقبل بيد الله.
وما وصلا من حديثهما إلى هذا الحد حتى تركا مكانهما وذهبا لشأنهما، فقلت لصاحبي: هل لك أن تريني الميزان والصراط والجنة والنار ؟ فإني ما زلت في شوق إلى رؤية تلك الأشياء, ورؤية مواقعها منذ رأيتها في "خريطة الآخرة" التي رسمها الشعراني في بعض كتبه؟ قال: أما الميزان فتقدير الأعمال والموازنة بين الحسنات والسيئات، وأما الصراط فهو سبيل الإنسان إلى سعادته أو شقائه، وأما الجنة والنار فلا علم لي حتى الساعة بهما.
وبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً صارخاً، ما قرع سمعي في حياتي مثله، يناديني باسمي، فعلمت أن قد جاء دوري، فأدركني من الهول والرعب ما أيقظني من نومي! فاستيقظت فلم أر حساباً ولا عقاباً، ولا موقفاً ولا محشراً! فعلمت أنها خيالات وأوهام، أو أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين !!

المصدر: النظرات.



അഭിപ്രായങ്ങളൊന്നുമില്ല:

ഒരു അഭിപ്രായം പോസ്റ്റ് ചെയ്യൂ